5/1/2025
العافية المالية للموظفين: لماذا هي مهمة وكيف يمكن تعزيزها؟
من خلال تجربتي الطويلة في قياس أبعاد العافية المختلفة للمنظمات وموظفيها، لاحظت عن كثب كيف يؤثر الضغط المالي على حياة الناس.يشغلني أن غالبية الموظفين يواجهون صعوبات في تغطية احتياجاتهم الشهرية من رواتبهم، مما يجعل العديد منهم بالكاد يتمكنون من التعايش مع متطلبات الحياة اليومية. والأمر المقلق بشكل كبير هو أن الكثير من الموظفين يعتبرون القلق المالي أحد أكبر مصادر التوتر في حياتهم. لاحظت كيف أن التوتر المالي لا يبقى محصورًا في المنزل، بل يرافق الناس إلى أماكن عملهم، حيث يؤثر على قدرتهم على التركيز وإنتاجيتهم. في جلسات الكوتشنق تقابلت مع أشخاصًا موهوبين يضطرون إلى البحث عن وظائف جديدة ليس بسبب عدم كفاءتهم، بل لأنهم منهكون من ضغوط الحياة المالية التي تثقل كاهلهم. لهذا السبب، أود أن أشارككم أفكاري حول أهمية العافية المالية، وكيف يمكننا جميعًا أن نساعد موظفينا في استعادة توازنهم المالي وتحقيق الاستقرار في حياتهم. ما هي العافية المالية؟ العافية المالية تُعرَّف بأنها حالة من الأمان المالي والثقة التي تمكِّن الفرد من إدارة موارده المالية بكفاءة. تتجلى هذه الحالة في القدرة على التحكم بالنفقات، بناء مدخرات مستدامة، وإدارة الديون بشكل فعّال دون أن تسبب ضغوطاً نفسية مفرطة. وتمثل العافية المالية القدرة على مواجهة التكاليف غير المتوقعة بثبات وبدون اضطراب، مما يعزز الاستقرار والرفاه العام. من خلال دراستي لتأثير الضغوط المالية على الموظفين، وجدت أنها تعد "قاتلاً صامتاً للإنتاجية"، وغالباً ما يتم التغاضي عن تأثيرها السلبي. ومع ذلك، عند النظر إلى تأثيرها بشكل ملموس، يصبح من الواضح أهمية معالجتها. تشير الدراسات إلى أن الضغوط المالية تُكبّد الشركات تكلفة كبيرة سنوياً لكل موظف، وهي ليست مجرد أرقام، بل نتيجة مباشرة لمعاناة الموظفين في التعامل مع تحدياتهم المالية اليومية، مما يؤثر سلباً على أدائهم وإنتاجيتهم في العمل. يقضي الموظفون وقتًا كبيرًا من ساعات العمل في التفكير بمشاكلهم المالية الشخصية، مما يؤدي إلى تشتيت انتباههم وتأثير سلبي على إنتاجيتهم اليومية. الضغوط المالية لا تؤثر فقط على الأداء الوظيفي، بل تمتد أيضًا إلى الصحة النفسية، حيث يُظهر عدد كبير من الموظفين تأثرهم النفسي نتيجة للديون المتراكمة أو نقص المدخرات. هذه التحديات تجعل من الضروري تعزيز العافية المالية لدعم استقرارهم النفسي والمهني. الضغوط المالية تؤثر على جميع الموظفين، لكنها تظهر بشكل أكبر لدى النساء، اللواتي يواجهن تحديات مالية متنوعة تتعلق بمسؤوليات الأسرة والعمل. هذه التحديات تزيد من أهمية دعمهن ببرامج تعزز العافية المالية وتسهم في تحقيق استقرارهن المهني والشخصي. تشير الدراسات إلى أن 90% من أصحاب العمل يعتقدون أن برامج العافية المالية تعزز الإنتاجية، وتحسن رفاهية الموظفين. كما أن هناك طلبًا متزايدًا على توفير حسابات ادخار للطوارئ من قبل أصحاب العمل، حيث أصبحت هذه المبادرات ضرورة لدعم الاستقرار المالي لجميع الموظفين. من خلال تجربتي ومعاينة البيانات عبر منصة "توازن" ونتائج مقياس "دوزنها" خلال القياسات العديدة (الصورة المرفقة)، أظهرت النتائج بوضوح أن مستوى العافية المالية لدى الموظفين يعكس بشكل مباشر على البعد المهني. الموظفون الذين أظهروا درجات أعلى في العافية المالية كانوا أكثر استقرارًا وفعالية في أدائهم المهني، حيث تقل لديهم معدلات التغيب والتأخير، ويزداد تركيزهم وحضورهم الذهني أثناء العمل. هذا يعزز فهمنا لدور العافية المالية كعامل رئيسي يسهم في تحسين الأداء المهني وخلق بيئة عمل مستقرة ومنتجة. بصفتي خبيراً في قياس العافية بأبعادها المختلفة وإجراء العديد من الدراسات الميدانية، توصلت إلى أن صحة الموظفين المالية ليست مجرد مسألة شخصية تخصهم وحدهم، بل هي أولوية يجب أن تحتل مكانة بارزة في استراتيجيات بيئة العمل. الضغط المالي الذي يعاني منه الموظفون غالبًا ما يرافقهم إلى مكان العمل، مما يؤدي إلى تراجع إنتاجيتهم وتدهور رفاهيتهم بشكل عام. هذا الواقع يجعل من الضروري أن تتخذ الشركات خطوات فعّالة لدعم موظفيها في تحقيق الاستقرار المالي وتعزيز جودة حياتهم المهنية والشخصية. لحل هذه التحديات، أُوصي دائمًا ببدء العملية بتقييم شامل للحالة المالية للموظفين. يمكن القيام بذلك عبر استبيانات سرية أو جلسات استماع فردية أو بعض المقاييس الحديثة للتعرف على التحديات الفعلية التي يواجهها كل موظف، سواء كانت تتعلق بالديون، نقص المدخرات، أو التخطيط المالي غير المنظم. بناءً على هذه النتائج، يمكن للشركات تصميم برامج مخصصة لتلبية احتياجات موظفيها. من المهم أن تكون هذه البرامج شاملة، تشمل أدوات لإعداد الميزانية، استراتيجيات لتقليل الديون، وخطط للادخار الطارئ. تنفيذ برنامج متكامل للعافية المالية يساعد الموظفين على تحسين إدارتهم المالية ويقلل من القلق المرتبط بها. جانب آخر مهم هو التعليم المالي. يجب أن يتم تمكين الموظفين من خلال ورش عمل وجلسات تدريبية تقدم نصائح عملية وتوفر لهم المعرفة التي يحتاجون إليها لإدارة مواردهم المالية بشكل أفضل. التكنولوجيا أيضًا يمكن أن تلعب دورًا كبيرًا هنا، من خلال توفير تطبيقات تسهل إدارة المال وتقديم نصائح مالية مخصصة. وأخيرًا، تقديم فوائد مبتكرة تتجاوز التقليدية يمكن أن يُظهر التزام الشركة برفاهية موظفيها. سواء كان ذلك من خلال دعم مالي للطوارئ، خطط ادخار مرنة، أو حتى خدمات استشارية مالية، فإن هذه المبادرات تساهم في بناء بيئة عمل أكثر استقرارًا وراحة. لضمان نجاح هذه الجهود، من الضروري أن يكون هناك تقييم مستمر واستماع فعّال لملاحظات الموظفين. التحسين المستمر للبرامج بناءً على التغذية الراجعة يُعزز من فعاليتها ويضمن تلبية احتياجات الجميع بشكل مستدام. الشركات التي تستثمر في صحة موظفيها المالية لا تعزز فقط إنتاجيتهم، بل تساهم في خلق بيئة عمل أكثر نجاحًا واستدامة. كتبه: الدكتور فيصل عوض بارويس أستاذ مشارك في برامج أنماط الحياة الصحية والعافية ومبتكر مقياس "دوزنها" لقياس أبعاد العافية العشرة لدى منصة "توازن".